كيف قادت علاقة الأب والابن جورج جارفيس نحو التحدي على اللقب العالمي: “كل شيء من أجله الآن”
يمكن للرابطة بين الأب والابن أن تُشكّل حياة الرجل بأكملها، فهي لا تُحدّد هويته فحسب، بل تُحدّد أيضاً ما هو مستعد للتضحية به من أجل تحقيق النجاح. بالنسبة للمقاتل جورج جارفيس، لم تكُن هذه الحقيقة يوماً أكثر وضوحاً وهو يستعد لتحدي ريجيان إيرسبل على بطولة العالم في المواي تاي عن فئة الوزن الخفيف.
عندما يدخل جارفيس إلى الحدث الرئيسي لعرض ONE Fight Night 34 فجر السبت في 2 آب/أغسطس على حلبة “لومبيني” في العاصمة التايلاندية بانكوك، لن يقاتل من أجل المجد الشخصي فحسب بل من أجل أهم رجليْن في حياته – والده الذي أعدّه ليصبح منافساً جدياً وابنه الذي يمنح رحلته معنىً عميقاً.
لم يكُن ممكناً للتوقيت أن يكون أكثر أهميةً للمقاتل البريطاني، الذي يجد نفسه بين جيلين من الحب والمسؤولية. فمن جهة، يقف والده ومدربه، الذي كان سنداً له منذ أن كان في الخامسة من عمره. ومن جهة أخرى، يقف ابنه الصغير، الذي يُمثل كل ما يُناضل من أجله لبناء مستقبله.
الأساس الذي بُني في النادي الرياضي
قبل أن يفهم جارفيس حجم ما يبنيانه معاً، كان والده يضع حجر الأساس لشيء رائع. ما بدأ بتعلّم صبي صغير الانضباط وتقوية بنيته في نادٍ رياضي محلي تطوّر إلى شراكة بين الأب والابن استمرت لأكثر من عقدين من الزمن.
الرحلة لم تبدأ بطموحات كبيرة أو أحلام بانتزاع بطولات عالمية. لم تكُن بطولة “ون” قد أُسّست عندما دخل جارفيس إلى عالم والده وهو في سن الخامسة تحت إشراف رجل أدرك أن الدروس المستفادة من الفنون القتالية تمتد إلى ما هو أبعد من القتال.
وقال جارفيس:
“منذ أن بدأنا، لم نكُن نعرف إلى أي مدى سنصل معاً. لم تكن بطولة ون موجودة حتى عندما بدأنا”.
غالباً ما تطمس العلاقة بين الأب والابن في الرياضات القتالية الحدود التقليدية لديناميكيات الأسرة. بالنسبة لجارفيس، لم يكُن والده مجرد أب يقدم له التوجيه من على الهامش، بل كان حاضراً دائماً في ركنه، والصوت الذي يسمعه، والأساس الذي بُني عليه كل إنجاز.
خلال منافسته في نزالات الهواة والمواجهات الاحترافية وانتكاساته، وانتصاراته، بقي شيء واحد ثابتًا: حضور والده الثابت. تشير الإحصائيات إلى شراكة تتجاوز العلاقات التقليدية بين المدرب والمقاتل، لتمثل رابطاً نشأ من خلال التضحية المشتركة والتفاني المتبادل.
وقال:
“إنه ليس والدي فحسب، بل مدربي أيضًا، لذا كان بجانبي في كل نزال. غاب عن نزال اضطررتُ فيه للسفر إلى إسبانيا، ولم يتمكن من الحضور. ولكن، بالإضافة إلى ذلك، كان بجانبي في كل مرة منذ أن بدأتُ في الخامسة من عمري”.
إن الفوز ببطولة العالم للوزن الخفيف في المواي تاي لا يمثل إنجازاً شخصياً فحسب، بل هو تتويج لرحلة بدأت بإيمان أب بإمكانيات ابنه. إن فكرة العودة إلى الوطن حاملاً الحزام الذهبي لإهدائها للرجل الذي جعل كل هذا ممكنًا تحمل في طياتها ثقلاً عاطفياً يتجاوز أي مكافأة مادية.
بالنسبة لجارفيس، فإن فرصة إثبات سنوات من التضحية والإيمان تمثل التعبير النهائي عن الامتنان للأب الذي رأى إمكانات فيه ولم يتراجع أبدًا عن تلك الرؤية.
وقال جارفيس:
“الوصول إلى هذا المستوى، ليس فقط للقتال من أجل الحزام، ولكن الفوز به وإعادته إلى مسقط رأسي وإعطائه لوالدي – إنه أمر مؤثر”.
الحلقة مستمرة
لقد غيّر أن يصبح جارفيس أبًا فهمه للدوافع والمسؤولية والهدف بشكل جذري. لقد استيقظت فيه الآن غريزة الحماية والرغبة في التوفير التي أظهرها والده طوال طفولته، مما خلق فيه دافعاً جديداً يتجاوز طموحاته الشخصية.
لقد غيّر تحوّله من منافس فردي إلى معيل للأسرة كل جانب من جوانب نهجه في القتال. فبينما كانت جلسات التدريب تُغذّيها الأهداف الشخصية والأحلام الفردية، أصبحت تحمل الآن ثقل تأمين مستقبل ابنه، وضرب المثل فيما يمكن أن يحققه التفاني والعمل الجاد.
وقال جارفيس:
“لم أعد أفعل كل شيء من أجلي، بل كل شيء من أجله. لذا، عندما تشتد الأيام والتدريبات، ولا يُطلب مني النهوض ومواصلة العمل، لا أقول هذا لنفسي فحسب، بل يكفيني أن أنظر إليه، وهذا هو سبب قيامي بذلك”.
كشفت الأبوة عن ثروات عقلية لم يكن جارفيس يعلم بوجودها. فقد دفعته متطلبات الموازنة بين الاستعداد الرياضي المتميز ومسؤوليات تربية الطفل إلى مستويات جديدة من الانضباط والتركيز، مما أجبره على استغلال كل لحظة على أكمل وجه، والتخلص من أي شيء لا يخدم غرضه المزدوج كمنافس وأب.
إن إدراكه أن ابنه يراقب ويتعلم ويستوعب الدروس من نهج والده في مواجهة التحديات، قد زاد من ثقل كل جلسة تدريب وكل قرار. فالقدوة التي يقدمها اليوم ستشكل شخصية ابنه غداً.
وقال:
“لقد جعلني أدرك بالتأكيد مدى قوة عزيمتي، أو ربما أكثر قوة مما كنت عليه. كنت مشغولة قبل أن أُرزق بطفل، لكنني الآن مشغولة، لذا فهو بمثابة جرس إنذار جيد”.
لقد أوضح هذا التغيير في الأولويات ما هو مهم حقاً في الحياة. أصبح الوقت أثمن، واللحظات أكثر معنى، وأصبح التوازن بين السعي وراء العظمة والتواجد مع العائلة يتطلب نضجاً يتجاوز سنواته في الرياضة.
بالنسبة لجارفيس، تُقاس كل تضحية بذلها سعياً وراء الحزام الذهبي في بطولة العالم بأثرها على مستقبل ابنه. فالساعات التي يقضيها في التدريب، والانضباط اللازم للمنافسة، والمخاطر الكامنة في القتال الاحترافي، كلها تخدم غرضًا أعظم من الإنجاز الفردي.
وقال جارفيس:
“إنه يجعلك تدرك ما هو مهم في الحياة، وكل شيء، كل جزء من الوقت الفارغ، ما تريد أن تفعله به، وقضاء الوقت معهم”.
معسكر عائلي
يُمثل قراره بإحضار عائلته إلى تايلاند لحضور أهم معسكر تدريبي في مسيرته خياراً جريئاً يتعارض مع المبادئ التقليدية للاستعداد للقتال. فبينما يسعى العديد من المقاتلين إلى العزلة والتركيز على شيء واحد خلال المعسكرات، اختار جارفيس مساراً مختلفاً – مساراً يُبقي دوافعه الأهم في متناول يده.
وجود شريكته وابنه في تايلاند يُذكره دائمًا بما يُناضل من أجله، مع توفير الدعم المعنوي اللازم للحفاظ على أعلى مستويات الأداء. بدلًا من اعتبار عائلته مصدر إلهاء عن التحضير، اعتبرها جارفيس جزءًا لا يتجزأ من سعيه.
وقال جارفيس:
“لو كنتُ هنا بمفردي، لما كان الأمر كما هو. كنتُ سأفتقدهم. ولن أكون في الحالة الذهنية المناسبة لأُحاول جاهداً”.
لقد تحوّل الروتين اليومي لمعسكر التدريب بفضل وجود ابنه. ما كان ليبدو عادةً جلسات شاقة تليها فترات نقاهة وحيدة، أصبح جزءاً من إيقاع عائلي، حيث تحمل كل عودة من الصالة الرياضية هدفاً وفرحاً متجددين.
إن رؤية ابنه بجانب الحلبة خلال جلسات التدريب تُحفّزه وتُذكّره بالإرث الذي يبنيه. كل تقنية يُمارسها، وكل جولة يُكملها، وكل تحدٍّ يتغلب عليه، يشهد عليها الجيل القادم من عائلة جارفيس.
وقال:
“عندما أغادر النادي الرياضي في الصباح، ويأتي ابني إليّ ويعانقني، فهذا هو سبب قيامي بذلك. إنه يذكرني بالسبب الذي يدفعني للقيام بذلك”.
تطلّب هذا النهج غير التقليدي تفهمًا وشراكةً من عائلته، مما حوّل ما كان من الممكن أن يكون سعيًا أنانياً إلى مهمة مشتركة. ويمتد نظام الدعم إلى ما هو أبعد من التشجيع العاطفي ليشمل التعاون العملي الذي يضمن تلبية احتياجاته التدريبية ومسؤولياته العائلية.
يعكس هذا التعاون إيمان جارفيس بأن القوة الحقيقية لا تنبع من العزلة، بل من الروابط التي تربطنا بما هو أعظم من أنفسنا. ويمثل وجود عائلته في تايلاند استثمارهم في حلمه وإيمانهم بقدرته على تحقيقه.
وقال جارفيس:
“نحن لسنا مجرد عائلة، نحن فريق”.